فصل: استيلاء الموفق على الجهة الغربية.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.استيلاء الموفق على الجهة الغربية.

ولما هدم الموفق سور دار الخبيث أمر بتوسعه الطريق للحرب وأحرق الجسر الأول الذي على نهر أبي الخصيب ليمنع من مدد بعضهم بعضا فكان في إحراقه حرب عظيمة وأعدت لذلك سفينة ملئت قصبا وجعل فيها النفط وأرسلت في قوة المدد فتبادر الزنج إليها وغرقوها فركب الموفق إلى فوهة نهر أبي الخصيب وقصدهم من غربي النهر وشرقيه إلى أن انتهوا إلى الجسر من غربيه وعليه أنكلاي بن الخبيث وابن جامع فأحرقوه وفعل مثل ذلك من الجانب الشرقي فاحترق الجسر والحظيرة التي كانت لإنشاء السفن وسجن كان هناك للخبيث وانحاز هو وأصحابه من الجانب الغربي واستأمن كثير من قواده فأمنهم وأخرجوا أرسالا وخرج قاضيه هاربا ووكل بالجسر الثاني من يحفظه وأمر الموفق ابنه أبا العباس بأن يتجهز لإحراقه فزحف في أنجاد غلمانه ومعه الفعلة والآلات وكان في الجانب الغربي قبالة أبي العباس أنكلاي وابن جامع وفي الجانب الغربي قبالة أسد مولى الموفق الخبيث نفسه والمهلبي وجاءت السفن في النهر وقاتلوا حامية الجسر فانهزم ابن جامع وأنكلاي وأضرمت النار في الجسر ولما وافياه وهو مضطرم نارا ألقيا أنفسهما في النهر فخلصا بعد أن غرق من أصحابهما خلق واحترق الجسر واتصل الحريق بدورهم وقصورهم وأسواقهم وافترق الجيش في الجانبين ونهبت دار الخبيث واستنفذ من كان في حبسه من النسوة والرجال وأخرج ما كان في نهر أبي الخصيب من أصناف السفن إلى دجلة ونهبها أصحاب الموفق واستأمن أنكلاي بن الخبيث وعلم أبوه فثناه عن ذلك واستأمن سليمان بن موسى الشعراني من رؤساء قواده فأجيب بعد توقف ولما خرج تبعه أصحاب الخبيث فقاتلهم وصل إلى الموفق فأحسن إليه واقتفى أثره في ذلك شبل ابن سالم من قواده وعظم على الخبيث وأوليائه استئمان هؤلاء وصار شبل بن سالم يخرج في السرايا إلى عسكر الخبيث ويكثر النكاية فيهم.

.استيلاء الموفق على الجهة الشرقية.

وفي خلال هذه الحروب واتصالها مرن أصحاب الموفق على تخلل تلك المسالك والشعاب مع تضايقها وو عرها وأجمع الموفق على قصد الجانب الشرقي في نهر أبي الخصيب وندب لذلك قواد المستأمنة لخيرتهم بذلك دون غيرهم ووعدهم بالإحسان والزيادة فأبوا وسألوه الإقالة فأبى لتتميز مناصحتهم وجمع سفن دجلة من كل جانب وكان فيها عشرة آلاف ملاح من المرتزقة وأمر ابنه أبا العباس بقصد مدينة الخبيث الشرقية من جهاتها فسار إلى دار المهلبي وهو في مائة وخمسين قطعة من السفن قد شحنها بأنجاد غلمانه وانتخب عشرة آلاف مقاتل وأمرهم بالمسير حفا في النهر يشاهد أحوالهم وبكر الموفق لثمان خلون من ذي القعدة زاحفا للحرب فاقتتلوا مليا وصبروا ثم انهزم الزنج وقتل منهم خلق وأسر آخرون فقتلوا وقصد الموفق بجمعه دار الخبيث وقد جمع الخبيث أصحابه للمدافعة فلم يغنوا عنه وانهزموا وأسلموها فنهبها أصحاب الموفق وسبوا حريمه وبنيه وكانوا عشرين ونجا إلى دار المهلبي ونهبها واشتغل أصحابهم جميعا بنقل الغنائم إلى السفن فأطمع ذلك الزنج فيهم وتراجعوا وردوا الناس إلى مواقفهم ثم صدق الموفق الحملة عشي النهار فهزم الزنج إلى دار الخبيث ورجع الناس إلى عسكره ووصله كتاب لؤلؤ غلام ابن طولون يستأذنه في القدوم عليه فأخر القتال إلى حضوره.

.مقتل صاحب الزنج.

ولما وصل غلام ابن طولون في ثالث المحرم من سنة سبعين جاء في جيش عظيم فأحسن إليهم الموفق وأجرى لهم الأرزاق على مراتبهم وأمره بالتأهب لقتال الخبيث وقد كان لما غلب على نهر أبي الخصيب وقطعت القناطر والجسور التي عليه أحث فيه سكرا وضيق جرية الماء ليمنع السفن من دخوله إذا حضر ويتعذر خروجها أمامه وبقي جريه لا يتهيأ إلا بإزالة ذلك السكر فحاول ذلك مدة والزنج يدافعون عنه ودفع الموفق لذلك لؤلؤا في أصحابه ليتمرنوا على حرب الزنج في تلك المسالك والطرق فأحسنوا البلاء فيها ووصلهم وألح على العسكر وهو كل يوم يقتل مقاتلهم ويحرق مساكنهم ويقتل المستأمنة منهم وقد كان بقي بالجهة الغربية بقية من أبنية ومزارع وبها جماعة يحفظونها فسار إليهم أبو العباس وأوقع بهم ولم يسلم منهم إلا الشريد ثم غلبهم على السكر وأحرقه واعتزم على لقاء الخبيث وقدم ابنه أبا العباس دار المهلب وأضاف المستأمنة إلى شبل بن سالم وأمرهم أن ينتظروا بالقتال نفخ البوق ونصب علمه الأسود على دار الكرماني ثم صمد إليهم وزحف الناس في البر والنهر ونفخت الأبواق وذلك لثلاث بقين من المحرم سنة سبعين واشتد القتال وانهزم الزنج ومات منهم قتلا وغرقا ما لا يحصى واستولى الموفق على المدينة واستنقذوا الأسرى وأسروا الخليل وابن أبان وأولادهما وعيال أخيهما ومضى الخبيث ومعه ابنه أنكلاي وابن جامع وقواد من الزنج إلى موضع بنهر السفياني كانوا أعدوه ملجأ إذا غلب على المدينة واتبعه الموفق في السفن ولؤلؤ في البر ثم اقتحم النهر بفرسه واتبعه أصحابه فأوقعوا بالخبيث ومن معه حتى عبروا نهر السامان واعتصموا بحبل وراءه ورجع لؤلؤ عنهم وشكر له الموفق ورفع منزلته واستبشر الناس بالفتح وجمع الموفق أصحابه فوبخهم على انقطاعهم عنه فاستعذروا بأنهم ظنوا انصرافه ثم تحالفوا على الإقدام والثبات حتى يظفروا وسألوه أن ترد المعابر التي يعبرون فيها ليستميت الناس في حرب عدوهم فوعدهم بذلك وأصبح ثالث صفر فعبى المراكب وبعثهم إلى المراكز ورد المعابر التي عبروا فيها وتقدم سرعان العسكر فأوقعوا بالخبيث وأصحابه ففضوا جماعة وأثخنوا فيهم قتلا وأسرا وافترقوا كل ناحية وثبت مع الخبيث لمة من أصحابه فيهم المهلبي وذهب ابنه أنكلاي وابن جامع واتبع كلا منهم طائفة من العسكر بأمر أبي العباس ابن الموفق ثم أسر إبراهيم بن جعفر الهمداني فاستوثقوا منه ثم كر الخبيث والمنهزمون معه على من اتبعهم من أهل العسكر فأزالوهم عن مواقفهم ثم رجعوا ومضى الموفق في اتباع الخبيث إلى آخر نهر أبي الخصيب فلقيه غلام من أصحاب لؤلؤ برأس الخبيث وسار أنكلاي نحو الديناري ومعه المهلبي وبعث الموفق أصحابه في طلبهم فظفر بهم وبمن معهم وكانوا زهاء خمسة آلاف فاستوثق منهم ثم استأمن إليه ورمونة وكان عند البطيحة قد اعتصم بمغايض وآجام هنالك يخيف السابلة ويغير على تلك النواحي وعلى الواردين إلى مدينة الموفق فلما علم بموت الخبيث سقط في يده وبعث يستأمن فأمنه الموفق فحسنت توبته ورد الغصوبات إلى أهلها ظاهرا وأمر الموفق بالنداء برجوع الزنج إلى موطنهم فرجعوا وأقام الموفق بمدينة الموفقية ليأمن الناس بمقامه وولى على البصرة والأبلة وكور دجلة محمد بن حماد وقدم ابنه أبا العباس إلى بغداد فدخلها منتصف جمادي من سنة سبعين وكان خروج صاحب الزنج آخر رمضان سنة خمس وخمسين وقتله أول صفر سنة سبعين لأربع عشرة سنة وأربعة أشهر من دولته.